منتديات المهتدون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المهتدون

والذين اهتدوا زادهم هدي وءاتاهم تقواهم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اسم الله الصمد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سفيرة الاسلام
عضوة
سفيرة الاسلام


الجنس : انثى عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 24/07/2009

اسم الله الصمد Empty
مُساهمةموضوع: اسم الله الصمد   اسم الله الصمد I_icon_minitimeالجمعة 2 أكتوبر - 20:53

فنحن الآن بين يدي أسم هو من أعظم الأسماء الحسني ، ألا وهو الصَّمَدَ ، وثمرة معرفته ومعرفة حقائقه لا تقدر بكنوز الأرض ، ولقد ورد ذكره في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن ، وثبت في الصحيح أنه صلي الله عليه وسلم قد بشر الرجل الذي كان يقرأها ويقول : إني لأحبها لأنها صفة الرحمن ؛ بأن الله يحبه ، فبيّن أن الله يحب من يحب ذكر صفاته سبحانه وتعالي . وهذا الصحابي لم ينل هذه المرتبة إلا بفهمه للسورة ، أي بفهمه أساسا لهذين الاسمين العظيمين من أسماء الله ( الأحد – الصَّمَدَ )
ولذا سوف أبدأ بمقدمة بشرحٍ موجز ، وبيان مجمل السورة ثم نبسط القول في حقائق اسمه تعالي الصَّمَدَ ( وهو الذي له كل صفات الكمال التي لا يلحقها نقص بحال ، والخلائق " لهذا السبب " يُصَّمدُونه "يقصدونه " ويتوجهون إليه بحوائجهم ( في أبدانهم وأرواحهم وقلوبهم ومعاشهم ودينهم ودنياهم )
مقدمة: روى الإمام أحمد من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فإنزَلَ اللَّهُ :" قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدَ … السورة " ؛ قال : الصَّمَدَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ؛ لَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ ؛ وليس شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ ؛ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ " رواه احمد 5/134 ، الترمذي في التفسير 3364 ، والحاكم في المستدرك 2/54. وقال صحيح على شرط مسلم والبخاري ووافقه الذهبي والبيهقي في الأسماء والصفات 1/419 ، 42 .
وفي صحيح مسلم من حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ القرآن " ( صلاه المسافر 8/25 ) وعنه أيضاً في نفس الباب عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ القرآن قَالُوا : وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ القرآن ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ القرآن ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجَعَلَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ القرآن "
وأحاديث الصحيحين متكاثرة في فضل سوره الإخلاص . وأنها تعدل ثلث القرآن .
هذه السورة العظيمة تضمنت كل ما يجب إثباته لله من صفات الإثبات وهى صفات الكمال التي لا يلحقها نقص ، وتضمنت كل ما يجب نفيه عن الله من صفات التنزيه وهى نفي النقائص وهى نفي الأصل والفرع ونفي المثيل ونفي الشريك ، وبيان ذلك علي النحو التالي :
* الصَّمَدَ: إثبات جميع صفات الكمال مع كون الخلائق تصمد " تقصد " إليه في حوائجها ؛ ومن ثبت له الكمال التام انتفى عنه النقائص المضادة له ، وأيضاً ينتفي الشريك والمثيل ، . وإلا كان نقصاً فعلى سبيل المثال : لو وُجد المثيل والنظير في العزة مثلاً لأنتفي الكمال في عزة كل منهما ؛ إذ لا يستطيع أن يغلب أحدهما الآخر ، وهكذا في باقي الصفات ، وأيضاً : انتفاء الولد ؛ إذ الصَّمَدَ لا يخرج منه شيء ، وليس له صاحبه ( نظير ) وبالتالي لم يلد ، وبالأَوْلِى وبالأَحْرَىِ لم يولد (لأن الولد من جنس والده) فانتفى الأصل (الوالد) والفرع (الولد) والنظير .
* أحد: ليس كمثله شيء في صفات الكمال الثابتة فلا مثيل أو نظير أو شريك. * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ : انتفاء الأصل والفرع
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ : انتفاء النظير والمثيل
يستلزم ثبوت صفات الكمال أيضاً ، فإن كل ما يمدح الرب
من النفي فلا بد أن يتضمن ذلك ثبوتاً وإلا فالنَّفي المحض معناه عدم محض وذلك ليس بشيء .






يستلزم
** وصفات الكمال تثبت نصاً بالصَّمَدَ ، ولزوماً ( باَلأحَدِ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) كما أن صفات التنزيه تثبت نصاً بالأحد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ولزوماً بالصَّمَدَ .
وذلك كما اصطفي الله لملائكته من الذكر ( سبحان الله وبحمده )

يستلزم
** التسبيح : صفات التنزيه التعظيم .

** الحمد : التعظيم التنزيه .

فهكذا وّحد الله نفسه بهذه الأصول من الإثبات والتنزيه وهى مجامع التوحيد العلمي الإعتقادي الذي يُبايِنُ صاحبُه جميعَ فِرق الضَّلال والشرك ؛ ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن ؛ كما سبق في الحديث أنها جزءٌ من أجزاءٍ ثلاثةٍ ، فيكون ثلث القرآن خبراً عن الرحمن وصفاته إثباتاً ونفياً وهذا التوحيد الإعتقادي العلمي بمثابةِ إمامٍ وقائدٍ وسائقٍ وحاكمٍ على التوحيد العَمَلي الإرادي القصدي والذي تدل عليه سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) .
وإذا كانت سورة الإخلاص تدل على التوحيد العلمي نصا فهي تدل على التوحيد العملي لُزوماً .
وكذلك إذا كانت سوره الكافرون تدل على التوحيد العملي نصاً فهي تدل على التوحيد العلمي لزوماً .
فالله تعالى وَحَدَّ نفسه بهذا التوحيد ، وأَمَرَ المُخَاطَب بتوحيِده بنفس هذا التوحيد الذي وَّحد اللهُ به نفسه ؛ وأتى بلفظةِ ( قُلْ ) تحقيقاً لهذا المعنى ، وأنه مُبَلِّغ محْضٌ قائل لما أُمِر بقوله ، بخلاف قوله ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) فهذا أمر محض بإنشاء الاستعاذة لا تبليغ لقوله ( أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ؛ فإن الله لا يستعيذ من أحد ، فإن ذلك عليه محال ؛ بخلاف الخبر عن توحيده في
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) فهو سبحانه يُخْبِرُ عن نفسه بأنه الوَاحِدُ الأحد " بدائع الفوائد 2/172 زاد المعاد 1/316 : 318 ) " بتصرف " .
قال شيخ الإسلام : ولهذا كان كل ما وصف به الرب نفسه من صفات ، فهي صفات مختصة به يمتنع أن يكون له فيها مشاركٌ أو مماثلٌ ، فإنّ ذاتَه المقدسة لا تُماثِل شيئاً من الذوات ؛ وصفاته مختصة به فلا تماثل شيئاً من الصفات بل هو سبحانه أَحَدٌ صَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ؛ فإسمه الأَحَدْ : دَلَّ على نَفْي المشاركة والمماثلة . واسمه الصَّمَدَ : دل على انه مستحق لجميع صفات الكمال ( ثم قال ) : والمَقْصُوُد هنا أن صفات التنزيه يجمعها هذان المعنيان المذكوران في هذه السورة .
* أحدهما : نفي النقائص عنه ، وذلك من إثبات صفات الكمال فمن ثبت له الكمال التام انتفى النقصان المُضاد له ؛ والكمال من مدلول أسمه الصَّمَدَ ..
* الثاني : انه ليس كمثله شيء في صفات الكمال الثابتة : وهذا من مدلول اسمه الأحد فهذان الاسمان العظيمان ( الأحد والصَّمَدَ ) يتضمنان تنزيهه عن كل نقص وعيب ؛ وتنزيهه في صفات الكمال ألا يكون له مماثل في شيء منها .
واسمه الصَّمَدَ يتضمن إثبات جميع صفات الكمال ؛ فتضمن ذلك : إثبات جميع صفات الكمال ونفي جميع صفات النقص .
فالسورة تَضَمّنَتْ كل ما يجب نفيه عن الله ، وتضمنت أيضاً كل ما يجب إثباته من وجهين : من إسمه الصَّمَدَ ، ومن جهة أن ما نفي عنه من الأصول والفروع والنظراء مستلزم ثبوت صفات الكمال أيضاً ، فإن كل ما يُمدح به الرب من النفي فلابد أن يتضمن ثبوتا ؛ بل وكذلك كل ما يمدح به من شيء من الموجودات من النفي فلابد أن يتضمن ثبوتاً وإلا فالنفي المحض معناه عدم محض ، والعدم المحض ليس شيئاً ، فضلاً عن أن يكون صفه كمال ؛ وهذا كما يذكره سبحانه في آية الكرسي مثل قوله تعالى (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ؛ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ … الآية) سورة البقرة : 255 .
فنفي أخذ السِنَةٌ والنوم له مستلزم لكمال حياته وقيّوميّته ؛ فإن النوم ينافي القيومية ؛ والنوم أخو الموت ؛ ولهذا كان أهل الجنة لا ينامون ( ثم أتم التعليق النفيس على آيه الكرسي 110:107/17 ) وقبل أن نبدأ في تفصيل شرح إسمه ( الصَّمَدَ ) ؛ أَلْفِتُ الانتباه إلى الملاحظات التالية : -
* هذه المادة ( سوى البند ثامناً ) مأخوذة أساساً من شرح شيخ الإسلام لسورة الإخلاص " 214: 241/17 " غير أَنّى بَذَلْتُ جُهْدَ المُقل في الشرح والتقريب والتقديم والتأخير ، مع الاستعانة ببعض الإضافات من مقاييس أبن فارس ، والقاموس ومن كلام ابن القيم رحمهم الله تعالى
* الكلام المكتوب بين قوسين ( ... ) خلال النقولات فهو من شرحي وبياني للمعني .
* جعلتُ تفاصيل الإشتقاقات والمعاني اللغوية في آخر الكلام على الاسم حتى لا تثقل على غير طلبة العلم فتصدهم عن استكمال متابعة الشرح . لكن ينبغي الاهتمام البالغ بذلك ، وهو البند سابعاً ، لأنه بتفاصيل اللغويات الجميلة القوية ، وبيان استعمال العرب - أهل اللغة - لهذه الألفاظ ، يستشعر المسلم معاني الأسماء الحسني ، ويلمسها بقلبه فينفعل بها أيَّما انْفعال كما كان حال السلف رضي الله عنهم .
* جعلت الكلام كله مقسما علي ثمانية بنود كما يلي :
أولاً : النقص للمخلوق . ثانياً : الكمال كله للخالق ثالثاً
رابعاً : سؤال غير الله ظلم عظيم وجهل . خامساً : الصَّمَدَ هو أنسب الألفاظ دلالة علي المطلوب ، وتعريف ابن عباس " ر " لمعناه .
سادساً : أقوال السلف واجتماعها في قولين . سابعاً : الإشتقاقات اللغوية ثامناً : دعاء الله باسمه : الصَّمَدَ .

أولاً : معلوم أن المخلوق ومنه الإنسان يتصف بنقائص كثيرة منها :-
1- الحاجة الضرورية إلى ما يدخلُ جوفَه من مَطْعم ومَشْرَبِ وهَواءٍ وضِيّاءٍ وأَشْعةٍ وغير ذلك ، فهو أجوفُ له أحشاء ، ضعيفٌ يتفرق بدنُه ويتجزأ فيدخل فيه أشياء ويخرج منه أشياء مثل النطفة ( التي يكون منها الولد ) والبول والغائط والبصاق والنُخَامةِ والعَرَقِ وغيره ... وفي النهاية يموت ويتحلل إلى أجزاء متناثرة وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يَتَجّزأ ويتفرق ويَتَقسّم ؛ وينفصل بعضه من بعض ؛ وان كان في الظاهر مُتماسكاً مجتمعة أجزاؤُه ؛ وفي حديث آدم أن إبليس قال عنه : إنه أجوفُ ليس يَصْمُدُ (أنس / مسلم البر والصله) .
2- أصله هَلُوعٌ جَزوُعٌ مَنُوعٌ لو قصده الآخرون لقضاء حوائجهم واكثروا عليه فإنه يَجْزعُ ويَقْلَقُ وتَتَفرّقُ إرادته وتضعفُ قوتهُ عن القيامِ بحوائج الناس ؛ ومهما كان مجتمع الخُلق ثابتاً قوياً حليماً كريماً شجاعاً فإنّ طاقته محدودة بعدها يثقل ويكترث ويتفرق فلا يستطيع عمل شيء ؛ وهو لا يكون إلا مُحتاجاً فقيراً إلى الله ؛ إذْ يشترطُ فيمن يقومُ بحوائجِ الناسِ أن تكون قدرتهُ كاملة فلا يعجزه شيء ؛ وأن تكون قوتهُ كاملةٌ فلا يضعفه شيء ؛ وأن تكون متانته كاملة فلا يُثْقِلهُ شيءٌ ولا يَمَسُّهُ تَعبٌ أو لُغوبٌ ؛ وأن تكون حياتهُ كاملةٌ فلا يغفلُ ولا ينامُ ؛ وأن يكون علمه كاملاً وحكمته كاملة فلا يَضِلُّ ولا يَنْسى ولا يَفْسَدُ ؛ وأن يكون عَدْلهُ كاملاً فلا يظلمُ مثقالَ ذَرةٍ ؛ وأن تكون عِزّتُهُ كاملةٌ فلا يُغْلَبُ بل يكون غالباً على أمره ، لا يعيبه شيء ؛ وهكذا في باقي الصفات حيث يشترط أن يجتمع فيه صفات الكمال كلها بلا نقص ؛ وأن تكون كل صفه منها كاملةٌ بلا نقصٍ .. وأَنّى لِبشرٍ أو لِمخلُوقٍ بهذا !! وإنمّا هو اللهُ الصَّمَدَ وحده سبحانه وتعالى وعز وجل ؛ ومن ثم فهو وحده المَقْصُوُد بحقٍ بحوائجِ من في السماواتِ والأرضِ ؛ وسنزيدُ هذا المعنى توضيحاً وتفصيلاً فيما يلي :
ثانياً: اللهُ سبحانه وتعالي اجتمعت له كل صفات الكمال مثل :
الربوبيةِ والملكيةِ والحياةِ والقيّوميّةِ والعزَّةِ والعلمِ والحكمةِ والرزقِ والغني والجودِ والكرمِ والقدرةِ والمغفرةِ والصفحِ والرحمةِ والبرِ والإحسانِ والحلمِ والصبرِ والقداسةِ والهَيْمَنةِ وهو ذُو الجبروتِ والملكوتِ والكبرياءِ والعظمةِ ، بيدهِ ملكوتِ كلِ شيءٍ وهو يجيرُ ولا يُجَارُ عليه ؛ وهو يَسْمعُ جميعَ الأصواتِ بجميع الَّلهْجاتِ على تَفَنُن الحاجاتِ في جميعِ الأوقاتِ ، وهو السميعُ البصيرُ اللّطيفُ الخبيرُ ، وهو الأولُ فليس قَبْلَهُ شيءٌ ، والآخرُ فليس بَعْدَهُ شيءٌ ؛ والظاهرُ فليس فوقهُ شيءٌ ؛ والباطنُ فليس دونهُ شيءٌ ؛ غناه ذاتيٌّ له ؛ فلا يكونْ إلاّ غنياً ولا يحتاجُ إلى شيءٍ ؛ والكلُ يحتاجُ إليه في كل شيء ؛ فهم فقراءُ إليه وفقرهُم ذاتي لهم ؛ فلا يكونوا إلاّ فُقَراء ؛ يحتاجونَ ضرورةً لربوبيتيهِ ؛ ليربيهم برزقه ونِعَمِه ورسالاته ، وليعينَهم ويصونهم وليحكم بينهم ؛ ... كما يحتاجون ضرورة لإلهيته لتَزْكُوا أنْفُسَهُمْ ؛ تَأْلَهُهُ قُلوبُهم محبةً وخوفاً وشوقاً وإنابةً وتعظيماً وخضوعاً وغير ذلك ؛ وإلا ماتت قُلُوبُهم وصَارًوا كالأنعام بل أضل ... وهو على كل شيء مُقِيتٌ وَكِيلٌ حَفِيظٌ رَقِيبٌ شَهِيدٌ ... وهكذا لا توجد صفة كمال إلا وهى ثابتةٌ له سبحانه ؛ ولا يأتي زمان إلا وصفاته ثابتةً له لا تَتَفَّرقُ ولا تَزُولُ ولا تَنْقُصُ ؛ فإذا أثبتنا مثلا مائة صفهٍ لله فلن يأتي وقت تنقص فيه إلى تسعين مثلاً أو اقل ؛ بل لا تزال مائة ثابتة كما هي .. ومن ثم فإذا احتاجت المخلوقات في أي وقت من الأوقات إلى ما تحتاج إليه من شيء فعند الله خزائنه وإنما بكن فيكون ؛ والله تعالى دائمٌ باقٍ لا يجوز عليه شيء مما يجوز على خلقه من التقسم والتشتت والتجزأ والتفرق .. سبحانه وتعالى .
ثالثاً: كل صفه اتصف الله بها فهي على وجه الكمال ولا تزال بلا نقص مهما أعطى بها خلقه ؛ ولنضرب على ذلك مثالاً بصفة الرحمة :
الله تعالى هو الرحمن الرحيم ولم يزل ولا يزال كذلك ؛ وهو سبحانه وتعالى خلق من الرحمة ما يكفي على ما ينشرها على ما يشاء من خلقه ؛ فجعل هذه الرحمة المخلوقة مائة جزء ؛ وانزل جزء واحداً منها لتتراحم به الخلائق في الحياة الدنيا ؛ حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه من ذلك الجزء ، أي من ذلك الجزء من الرحمة التي أنزلها الله ؛ فانظر رحمك الله إلى مئات الآلاف من الأجناس والأنواع من الأحياء في البر والبحر؛ ثم بتكرار الأجيال إلى يوم القيامة ؛ فكم يكون عدد الأمهات من البشر وغيرهم من الأحياء ولا يحصيهم أبداً إلا الله ، فكم يكون عظم هذا الجزء من الرحمة ؛ فكيف إذا أضيف إلى كل ذلك كل رحمه بين الآباء والأبناء وبين الرجال والنساء ؛ وبين الكبار والصغار ؛ وبين الرحماء والمساكين ؛ فكيف إذا أضيف إلى ذلك رحمته تعالى بإرسال الرياح ؛ وإنزال الماء من السماء ؛ وإخراج النبات مما يأكل الناس والأنعام ؛ ثم أضف إنجاء المؤمنين وغير ذلك من أنواع الرحمة .. وكلها داخلة في جزء واحد من المائة رحمة ؛ ثم قيل يوم القيامة يرفع ذلك الجزء لينضم إلى التسعة والتسعين ؛ فتصير مائة كلها لأولياء الله يوم القيامة .. فكل هذه الرحمة التي جرت في الدنيا وأخذ منها جميع الخلق من البشر وغيرهم ؛ حتى أئمة الكفر ؛ فإنهم ما مكثوا على كفرهم عشرات السنين إلا برحمة الله لعلهم يتذكرون ويتوبون ... كل هذه الرحمة لم تنقص من أتصاف الله تعالى بالرحمة ولو بمثقال ذرة وقس على ذلك في جميع الصفات من الخلق والرزق والعزة وغيرها ... فلو أن الأولين والآخرين اجتمعوا في صعيد واحد فطلب كل منهم من الله رزقاً بما يريد فأعطاهم الله إياه ؛ ما نقص ذلك من صفه الرزق لله شيئاً ولو بمثقال ذرة فهي صفة كاملة لا تختل ولا تتجزأ ولا تتفرق فلا تنقص أبداً ... ومن ثم فهو المَقْصُوُد بالحوائج ؛ لأنه له صفات الكمال الكاملة المتكاملة .
رابعاً: علمنا أن الله سبحانه وتعالى قد كمل في جميع صفاته وأخص هنا صفة الكرم حتى يتبين أن كل من أنزل حوائجه بالمخلوق دون الخالق فقد سفه نفسه وظلمها ذلك بأن الله تعالى يحب الملحين عليه بالطلب والدعاء والمسألة ؛ ويحب أن يقبل إحسانه وفضله ؛ ويغضب على من لم يسأله ؛ ويشتد غضبه على من سال غيره دونه ويجود بالنوال قبل السؤال ؛ ولا تثقله كثرة المسائل ولا تقلقه ولا تمله ؛ وإنما يكون ذلك في المخلوق كما سبق بيانه ...
خامساً: إذا أردنا لفظاً واحداً يجمع هذه المعاني ويدلُ عليها بقوةٍ فعلينا أن نبحث في هذه المعاني والألفاظ الآتية حتى نعلم أيها اقوي دلالة وأجمع لكل هذه المعاني ( الصَّمَدَ - السَّيِدُ - المَقْصُوُد - المُصْمَتُ - الجَامِعُ - الحَلِيمُ )
ولا ريب أنه اللفظ الذي أثبته لنفسه سبحانه وتعالى في سوره الإخلاص وهو واحد من أعظم الأسماء الحسنى ؛ والذي من أجْلِهِ ثَقُلَتُ السورة حتى عَدَلَتْ ثلث القرآن ؛ كما ستأتي الروايات بذلك ألا وهو : الصَّمَدَ :
وتفسير السلف وعلى رأسهم حَبْرُ الأمة ابن عباس رضى الله عنهما لهذا الاسم يحكى هذه المعاني السابقة ؛ حيث نجد له قولين : أحدهما أصل للآخر كما يلي :
الأول : الصَّمَدَ : الذي قد كمل في سؤدده ؛ والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ؛ والعليم الذي قد كمل في علمه ؛ والحكيم الذي قد كمل في حكمته ؛ وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد . هو الله سبحانه وتعالى هذه صفه لا تنبغي لأحد إلا له ، ليس له كُفُوءٌ ؛ وليس كمثله شيء ... سبحان الله الواحد القهار . وهذا هو المعنى الذي فصلته فيما مضى ، وخلاصته أنه تعالى له صفات الكمال وله الكمال في الصفات ؛ وينبني ويتفرع عليه القول الثاني :
الصَّمَدَ : السَّيِدُ الذي يصمد ( يقصد ) إليه في الحوائج .
سادساً: أقوال السلف في بيان معنى الصَّمَدَ مذكورة بأسانيدها في الجزء السابع عشر من فتاوى ابن تيميه رحمه الله تعالى - لمن أراد التفصيل - وهى كما يقول شيخ الإسلام : أقوال متعددة قد يُظن أنها مختلفة – وليست كذلك – بل كلها صواب والمشهور منها قولان :
أحدهما : " أنه الصَّمَدَ الذي لا جوف له " وهو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة ، وهو المعروف عن ابن مسعود وابن عباس ( وقد سبق قوله الذي تبين مراده بذلك ) والحسن البصري ومجاهد وعكرمة والضحاك والسدّى وقتادة وسعيد بن جبير وهو الذي قال أيضاً : الكامل في جميع صفاته وأفعاله ( كما بين ابن عباس ) ؛ وبمعنى ذلك قال سعيد بن المسيب : الذي لا حشو له ؛ وابن مسعود أيضاً قال : هو الذي ليست له أحشاء ؛ كذلك قال الشعبي : الذي لا يأكل ولا يشرب ؛ وعن محمد بن كعب القرظى وعكرمة : هو الذي لا يخرج منه شيء ؛ وعن ميسرة قال : هو المُصْمَتُ ؛ وعن مجاهد : هو المُصْمَتُ الذي لا جوف له ؛ وهذه الأقوال مؤداها حقيقته واحدة ( وقد سبق ذكرها ) ، ألا وهى أن المخلوق أجوف : يعنى له أحشاء يدخل فيها أشياء ( مثل الطعام والشراب ) ؛ ويخرج منها أشياء مثل الولد فالمخلوق ضعيف ناقص يتفرق ويتجزأ ويتمزق ، بخلاف الصَّمَدَ عز وجل الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك ؛ فذاته لا تتفرق ولا تتجرأ ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) ؛ وكذلك صفاته لا تضعف ولا تنقص ولا تتفرق وإنما هو الكمال كما سبق بيانه ؛ وهذا من فقه السلف ورسوخ علمهم بالله وبصفاته وبدينه ؛ وعن الربيع :" الذي لا تعتريه الآفات "؛ وعن مقاتل بن حيان :" الذي لا عيب فيه "؛ وعن مره الهمذاني :" الذي لا يُبلى ولا يُفنى " ؛ وعن قتادة : الصَّمَدَ :" الباقي بعد خلقه"؛ وعن مجاهد ومعمر :" الدائم "، وعن ابن عطاء : هو "المتعالي عن الكون والفساد "، وعنه أيضاً :" الذي لم يتبين عليه أثر فيما أظهر ويريد قوله ( وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) وبقاؤه ودوامه من تمام الصَّمَدَية ..
الثاني : أن الصَّمَدَ : هو الذي يُصمَد ( يُقصَد ) إليه في الحوائج وهذا قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين وهو متفرع ومبنى على القول الأول كما سبق بيانه .
قال ابن عباس : الصَّمَدَ الذي تُصمَد إليه الأشياء إذا أنزل بهم كربة أو بلاء ؛ قال الخطابي : أصح الوجوه أنه السَّيِدُ الذي يُصمد إليه في الحوائج لأن الاشتقاق يشهد له . وجمع أبو هريرة بين القولين فقال : المستغنى عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد . ؛ وقال أبو بكر بن الانبارى : لا خلاف بين أهل اللغة في أنه السَّيِدُ الذي ليس فوقه أحد الذي يُصمَد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم ؛ قال شيخ الإسلام : الاشتقاق يشهد للقولين جميعاً ، قول من قال الذي لا جوف له ، وقول من قال : أنه السَّيِدُ ، وهو على الأول أدل ؛ فإن الأول أصل للثاني ولفظ الصَّمَدَ يُقال على
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سفيرة الاسلام
عضوة
سفيرة الاسلام


الجنس : انثى عدد المساهمات : 50
تاريخ التسجيل : 24/07/2009

اسم الله الصمد Empty
مُساهمةموضوع: رد: اسم الله الصمد   اسم الله الصمد I_icon_minitimeالجمعة 2 أكتوبر - 20:54

كثير : الملائكة صمد والآدميون جوف ..
سابعاً: بيان اشتقاق اللفظ وأصل مادته وكذا الألفاظ المتناسبة معه ( الصَّمَدُ – السَّيِدُ – المَقْصُوُد – المُصْمَتُ – الجَامِعُ ) واستعمالها في اللغة في اللسان العربي ؛ وبيان المناسبة بين اللفظ والمعنى . فهذا البند هام جداً في فهم المعاني وتصورها وترسخها في الأذهان ؛ مع التعرف على جمال وقوه وإحكام اللغة العربية في إبانتها للمعاني المطلوبة . .
1- حرف الميم :
حرف شفهي يجمع الناطق به شفتيه فوضعته العرب علماً على الجمع فقالوا للواحد : أنت ؛ وللجمع : أنتم ؛ وللواحد الغائب : هو ؛ وللجمع : هم وكذلك في المتصل : ضَرَبت ضربتم ؛ إيّاك إيّاكمُ ؛ إيّاه إيّاهم ،ونظائره نحو به وبهم . ويقولون للشيء الأزرق إذا اشتدت زرقته وأجتمعت واستحكمت : زُرقُم ؛ .. وتأمل الألفاظ التي فيها الميم كيف تجد الجمع معقوداً بها مثل : لَمَّ الشيء إذا جَمَعَه ؛ وألَمَّ بالشيء : إذا قارب الاجتماع به والوصول إليه : ومنه الأمَّ : وأُمُّ الشيء اصله الجَامِعُ له وأمُّ الرأس : الجلدة التي تجمع الرأس ؛ ومنه التوأم : للولدين المجتمعين في بطن ؛ والأمة : الجماعة المتساوية في الخلقة أو الزمان أو اللسان ؛ ومنه الإمام الذي يجتمع المقتدون به على إتباعه ؛ ومنه رمَّ الشيء : يَرُمُّه ( ترميماً ) إذا جمع متفرقة وأصلحه ؛ ومنه ضمَّ الشيء : إذا جمعه ... ... وغير ذلك كثير ، وألحقوا الميم بلفظ الجلالة ( اللهمَّ ) إيذاناً بجمع أسمائه كلها وصفاته تعالى، فالسائل إذا قال : ( اللهمَّ ) فكأنه يقول يا ألله يا من لك الأسماء الحسنى كلها والصفات العُلي أ . هـ من كلام ابن القيم بتصرف في تعليق على لفظ (اللهمَّ) .
والمراد هنا أن الميم في الصَّمَدَ مؤذنة دالة على الجمع .
2- حرف الصاد مع الميم ( صم ) :
يقول بن فارس في المقاييس : الصاد والميم أصل يدل على تضام ( اجتماع ) في الشيء وزوال الخرق والسَّم ( يعنى الصاد مع الميم تدل على اجتماع أجزاء الشيء وتماسكها بقوةٍ ، حيث لا توجد مَسَام ولا خروق ولا خلل ولا ثغرات ؛ فلا يخترقه ولا يجزئه ولا يضعفه شيءٌ آخر ) :" صمام القارورة " : وهو سدادها يسد الفرجة ولا يُخْتَرق .
من ذلك : الصَّمم في الأذن لانسداد السمع حيث لا يخترقه الصوت .
* الحجر الأصم : الصلب المُصْمَتُ (ليس بأجوف) فهو مجتمع متماسك قوي.
* الرجل الصَّمة : الشجاع الذي لا تتفرق ولا تضعف إرادته عند المواجهات.
* وكذلك الصّمَّة : الذكر من الحيات ؛ وكذلك الأسد ؛ أو كأنه لا وصول أو اختراق له بوجه .
*صميم الشيء : خالصه ؛ حيث لم يدخل إليه ولم يختلط به ما يفرقه ويضعفه ؛ يقال من صميم الذهب … من صميم الحر … من صميم البرد …
من صميم قومه … وهكذا .
* دَاهِيّةٌ صَمَّاءٌ : أمر لا فرجة فيه .
* صَمَّمَ في الأمر : إذا مضى فيه راكباً رأسه لم يسمع لعذل عاذل أو أمر آمر أو نهى ناه فكأنه أصَمَّ .
* الصَّمصَمةَ : الجماعة كأنها اجتمعت حتى لا خلل فيها ولا خرق .
* الصَّمصَام : السيف الصارم القاطع الذي لا ينثني .
والخلاصة أن أصل هذه المادة ( صم ) الجمع ؛ والجمع فيه القوة .
3- الصاد والميم والدال :
أصلان أحدهما : ( القصد ) ؛ والآخر : ( الصلابة )
الأول : صَمَدَ يَصْمِدُ ( بكسر الميم وضمها) صَمْداً : قصد ؛ ويقال قصدته وقصدت له ؛ وقصدت إليه ؛ وكذلك : صمدته ؛ وصمدت له ؛ وصمدت إليه وهو مصمود ؛ ومصمود له ؛ ومصمود إليه .
* بيت مصمود ومُصْمَّدَّا : إذا قصده الناس في حوائجهم .
الصَّمَدَ والمُصْمَّدُ : وهو السَّيِدُ ( رئيس القبيلة أو القوم ) الذي يَصمُد إليه قومه لقضاء حوائجهم .
الثاني : الصلابة : حيث اجتمع الشيء بعضه إلى بعض وتضّام بشده ولم يكن فيه خلو ؛ وازداد تماسكه وقوته حتى صار صُلْباً ؛ وعبر عن هذا المعنى بتثليث الصاد والميم والدال ؛ والدال حرف قوى ؛ وتظهر قوته عند النطق به ومن أمثلة ذلك من اللسان والقاموس :-
أرض صَمْدة : مرتفعه غليظة متماسكة قوية ( وحولها رمال غير متماسكة ) ؛ وكذلك صخرة راسيةُ في الأرض مستوية أو مرتفعه .
ناقة صَمْدة : حُمِلَ عليها فلم تلقح ؛ إذا لم يفرق الولد بطنها ..
ناقة مِصْمَاد : الدائمة الرسل على القُر والجدب ؛ إذ مع شده البرد وقلة الطعام فهي دائمة الرسل ( الإمداد باللبن ) .
صِمَاد : هو العفاص وهو جلدٌ يُلْبسه رأس القارورة ( وهو بخلاف الصمام فهو أعلى منه ويُحيط به ويجمع القارورة والصمام ) وكذلك ما يلفه الإنسان على رأسه من خرقة أو منديل دون العمامة ؛ فهي تجمع الرأس وهى أعلى ما في الإنسان .
يصمد المال : يجمعه .
رجل صمد : لا يجوع ولا يعطش في الحرب ؛ وهذه قمة الصلابة في الإنسان ( والخلاصة ) :
أن الرجل إذا اجتمع له من الصفات مثل ( الاجتماع والقوة والمتانة والحلم والأناة والعقل والشجاعة والكرم وسعه الصدر والأفق وغير ذلك ) فإنه يكون أهلاً بسيادة قومه يصمدونه في حوائجهم ؛ وهذا هو الصَّمَدَ من الناس ؛ غير أن صمديته بشرية ناقصة ؛ وهى نسبيه ؛ أعنى بالنسبة إلى أفراد قومه كما يقال في المثل الدارج ( الأعرج بين المكسحين سلطان ) فهو وإن كان صمداً من بعض الوجوه ؛ فإن حقيقة الصَّمَدَية منتفية عنه؛فإنه - كما سبق بيانه - يقبل التفرق والتجزأ ؛ وهو أيضاً محتاج إلى غيره ؛ فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه ؛ فليس أحدٌ يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله تبارك وتعالى فحقيقة الصَّمَدَية وكمالها له وحده ؛ واجبة لازمة ؛ لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه .
وإذا كان أهل اللغة قد استعملوا أسم الصَّمَدَ في حق المخلوقين كما تقدم لذلك لم يقل الله تعالى في سوره الإخلاص : الله صمد ؛ بل قال : ( الله الصَّمَدَ ) لأنه المستحق لأن يكون هو الصَّمَدَ دون ما سواه ؛ فإنه المستوجب لغايته على الكمال . وال التعريفية لبيان علميته تعالى على الصَّمَدَية فلا يشاركه فيها غيره .
4- الألفاظ المتقاربة والمتناسبة : وهى التي أقواها الصَّمَدَ : " الصَّمَدَ – المُصْمَتُ – السَّيِدُ – المَقْصُوُد – الجَامِعُ "
أرجو من القارئ الكريم ألاَّ يستطيل الكلام في هذه اللغويات ، لأنها ركيزة أساسية في فهم الأسماء الحسنى ، وفي تصّورِ عظمة اللغة العربية وانفرادها بالإبانة الدقيقة ، وأنها لا تماثلها لغة أخري .
(أ) المُصْمَتُ : قال ابن فارس : الصاد والميم والتاء أصل واحد يدل على إبهام وإغلاق من ذلك : صمت الرجل : إذا سكت ؛ وباب مصمت قد أبهم إغلاقه ( فالرجل أصلاً أجوف يتفرق بالكلام وغيره ؛ فإذا سكت فهو مجتمعٌ قويٌ لا يتفرق بالكلام أثناء صمته ؛ وكذلك الأصل في الباب أنه يفتح ويتفرق بالفتح ؛ لكن إذا أغلق حيث لا يفتح فهو مجتمعٌ قويٌ لا يتفرق بالفتح طالما أبهم إغلاقه ؛ بخلاف الباب المصمد فإنه لا يفتح أبداً ولا يتفرق بالفتح ؛ فالمصمد أقوى من المُصْمَتُ ؛ لان حرف الدال أقوى من التاء وان كانتا أختين ؛ وأذكر مثالاً على ألسنة العامة الآن ؛ عندما يقام البناء على المساحة الموجودة دون نقصٍ ، يعنى دون أن تتفرق المساحة إلى جزء للبناء وجزء للشارع فإنهم يقولون : البناء على الصامت؛وهذا المثال يقرب المعني جداً ).
قال شيخ الإسلام "ج 17 / ص 232 ، 233" :
والاشتقاق الأصغر : اتفاق القولين في الحروف وترتيبها ( مع اختلاف الضبط ) .
والاشتقاق الأوسط : اتفاقهما في الحروف لا في الترتيب .
والاشتقاق الأكبر : اتفاقهما في أعيان بعض الحروف ؛ وفى جنس الباقي كاتفاقهما في كونهما من حروف الحلق ؛ إذ قيل حزر & عزر & أزر فإن الجميع فيه معنى القوة والشدة ، وقد اشتركت مع الراء والزاي والحاء والعين والهمزة في أن الثلاثة حروف حلقيه ؛ وعلى هذا فإذا قيل الصَّمَدَ : بمعنى المُصْمَتُ وأنه مشتق منه بهذا الاعتبار فهو صحيح ؛ فإن الدال أخت التاء وإن الصمت : هو السكون ؛ وهو إمساك وإطباق الفم عند الكلام .
قال أبو عبيد : المُصْمَتُ : الذي لا جوف له وقد أصْمَتُّه أنا ؛ وباب مصمت : قد أبهم إغلاقه ؛ والمُصْمَتُ من الخيل : البهيم ؛ أي لا يخالط لونه لون آخر ومنه قول ابن عباس : إنما حرم من الحرير المُصْمَتُ ؛ ( وفى القاموس ؛ ثوب مصمت : لا يخالط لونه لون أخر ) فالصَّمَدَ والمُصْمَتُ متفقان في الاشتقاق الأكبر(في أعين الأحرف م ، ص ، م ، وفى جنس الحرفين د ، ت) وليست الدال منقلبه عن التاء ؛ بل الدال أقوى ، والمصمد أقوى في معناه من المُصْمَتُ ؛ وكلما قوى الحرف كان معناه أقوى ؛ فإن لغة العرب في غاية الإحكام والتناسب ولهذا كان الصَّمْتُ : إمساك عن الكلام مع إمكانه ؛ والإنسان أجوف يخرج الكلام من فيه لمنه قد يصمت ؛ بخلاف الصَّمَدَ فإنه إنما استعمل فيما لا تفرق فيه كالصَّمَدَ والسَّيِدُ والصَّمَدَ من الأرض ؛ وصماد القارورة ونحو ذلك ( كما تقدم ) ؛ فليس في هذه الألفاظ المتناسبة أكمل من لفظ الصَّمَدَ فإن فيه الصاد والميم والدال ؛ وكل هذه الحروف الثلاثة لها مزية على ما يناسبها من الحروف ، والمعاني المدلول عليها بمثل هذه الحروف أكمل ، ( ثم بين رحمه الله أن معنى الصبر مما يناسب هذه المعاني ، حيث إن الصبر حبس النفس عن الجزع قال تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ) ، والصُّبْرة من الطعام فأنها مجتمعه مُكوّمه ، والصَّبارة : الحجارة ، وضد الصبر الجزع ، ثم بين رحمه الله – معاني الجزع والهلع وأن فيها معنى التقطع والتفرق والتشتت والتقسُّم ؛ ثم قال : ) وهذه المعاني كلها تنافى الثبات والقوة والاجتماع والإمساك والصبر ؛ وقد قال تعالى ( لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ) التوبة / 110 . وهذا وإن كان قد قيل : أن المراد أنها تتصدع فيموتون ، فإنه كما قيل في مثل ذلك : قد انصدع قلبه ؛ وقد تفرق قلبه ؛ وقد تشتت قلبه ؛ وقد تقسم قلبه ؛ ومنه يقال للخوف : قد فرق قوله كقوله تعالى : (وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ) ؛ ويقال بإزاء ذلك : وهو ثابت القلب ؛ مجتمع القلب ؛ مجموع القلب . أ . هـ
(ب) السَّيِدُ : ( قال رجل للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتَ سَيِّدُنَا فَقَالَ :" السَّيِدُ اللَّهُ " رواه أبو داود في الأدب (4806) وأحمد 4/24 ، 25 ، قال الألباني : صحيح برقم ( 3700 ) في صحيح الجَامِعُ . معروف أن الغرفة المطلية باللون الأبيض ؛ أقل ضوء يكفيها لكي تستنير وتتضح فيها الرؤية ؛ بخلاف المطلية باللون الأسود ؛ فإنها تحتاج إلى أضعاف ذلك من الإضاءة حتى تستنير وتتضح فيها الرؤية ؛ والسبب في ذلك هو أن اللون الأبيض يعكس ويفرق ويبعثر الأشعة الضوئية الساقطة عليه فتنتشر في الغرفة ؛ أما الأسود فيمتص الأشعة الساقطة عليه ويجمعها ويحتفظ بها ولا يدعها تتفرق وتنتشر ؛ وعلى ذلك فاللون الأسود جامع للضوء ؛ ففيه معنى الجمع ؛ والجمع فيه القوة كما تقدم في المصمد والمُصْمَتُ وكما في القاموس : السواد : المال الكثير والعدد الكثير ؛ وسداد القارورة الذي يدخل في فمها فيجمع مادتها ولا يدع خلواً أو ثغرة تنفذ منها ، وعلى ذلك اشتقوا من مادة السواد كلمات ... تنفع في التعبير عن معنى اجتماع القلب وقوته حيث ينتفي الهلع والجزع والطيش والعجلة وهذه الكلمات هي : السَّيِدُ – السؤدد – السيادة .
والسَّيِدُ أصله : سَيْوَد ؛ كَميَّت وأصله : مَيْوَت .
وعلى هذا يمكن فهم كلام ابن فارس في المقاييس؛وكلام ابن تيميه كما يلي: قال ابن فارس :
السين والواو والدال أصل واحد وهو خلاف البياض في اللون ؛ ثم يحمل عليه ويشتق منه ؛والسواد في اللون معروف ( وذكر أمثله كثيرة منها ) فلان اسود من فلان أي : أعلى سيادة منه ؛ ويقال سادني فلان فسُدْتُه من اللون والسؤدد جميعاً( لأن مادة السواد والسؤدد واحدة ) والقياس في الباب كله واحد .
قال شيخ الإسلام : " ج 17 / 226 ، 227 "
فأصل هذه المادة الجمع والقوه ؛ ومنه يقال يصمد المال : أي يجمعه ؛ وكذلك السَّيِدُ : أصله سَيْوَد ؛ اجتمعت ياء وواو ؛ وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ؛ كما قيل ميت وأصله مَيْوَت؛ والمادة في السواد والسؤدد تدل على الجمع ؛ واللون الأسود هو الجَامِعُ للبصر ؛ وقد قال تعالى : ( وَسَيِّدًا وَحَصُورًا ) آل عمران / 39 ؛ قال أكثر السلف وسيداً : حليماً ؛ وكذلك يروي عن الحسن ، وسعيد بن جبير ؛ وعكرمة ؛ وعطاء ؛ وأبى الشعثاء ؛ والربيع بن أنس ؛ ومقاتل ، وقال أبو ورق عن الضحاك : إنه الحسن الخلق وروي سالم عن سعيد بن جبير : أنه التقي ولا يسود الرجل الناس حتى يكون في نفسه مجتمع الخلق ثابتاً ، وقال عبد الله بن عمر : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية ؛ فقيل له ولا أبو بكر ولا عمر ؟ قال : كان أبو بكر وعمر خيراً منه ؛ وما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية ؛ قال أحمد : يعنى به الحليم ؛ أو قال : الكريم ؛ ولهذا قيل :
إذا شِئْتَ يوماً أن تَسُوَد قَـبِيلةً فَباِلحِلْمِ سُدْ لاَ بِالتَّسَرُعِ والشَّتْمِ
( ثم ذكر أقوالاً للسلف في معنى السَّيِدُ : سيد قومه في الدين ؛ الشريف الذي يفوق قومه في الخير ، الرئيس والإمام في الخير ؛ الكريم على ربه ؛ الفقيه العالم ) .
وقال أيضاً " ج 17 / 230 " :
فهم إنما سمَّوْا السَّيِدُ من الناس صمداً : لما فيه من المعنى الذي لأجله يقصده الناس ، والسَّيِدُ من السؤدد والسواد ، وهذا من جنس السداد في الاشتقاق الأكبر ؛ فإن العرب تعاقب بين حرف العلة والحرف المضاعف ؛ كما يقولون : تقضّى البازي وتقضض ؛ والساد : هو الذي يسد غيره ؛ فلا يبقى فيه خلو ؛ ومنه سداد القارورة ، وسِداد الثغر - بالكسر فيها - : وهو ما يسد ذلك ؛ ومنه السَداد - بالفتح - : وهو الصواب ؛ ومنه القول السديد : قال الله تعالى ( اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) الأحزاب /70 ؛ قالوا : قصداً حقاً ؛ وعن ابن عباس : صواباً ؛ وعن قتادة ومقاتل : عدلاً ؛ وعن السُّدَّي : مستقيماً ؛ وكل هذه الأقوال صحيحة ؛ فان القول السديد هو المطابق الموافق ؛ فإن كان خبراً ؛ كان صدقاً مطابقاً لمخبره لا يزيد ولا ينقص ؛ وإن كان أمراً ، كان أمراً بالعدل الذي لا يزيد ولا ينقص ولهذا يفسرون السداد : بالقصد ؛ والقصد بالعدل ؛ قال الجوهري : التسديد : التوفيق للسداد - وهو الصواب - والقصد في القول والعمل ؛ ورجل مُسَدَّد : إذا كان يعمل بالسداد والقصد ، والمسدد :المقوم،وسدَّد رمحه،وأمر سديد وأسدّ : أي قاصد أ . هـ (ج) المَقْصُوُد : وهذه اللفظة أيضاً فيها معنى الجمع والقوه ومعنى إتيان الشيء وأمِّهِ .
قال ابن فارس : القاف والصاد والدال أصول ثلاثة يدل أحدها على إتيان شيء وأَتّه ، والآخر على كسر وانكسار ؛ والآخر على اكتناز في الشيء . فمن الأول : أقْصَدَه السهم : إذا أصابه فقتل مكانه ؛ وكأنه قيل ذلك لأنه لم يَحِدْ عنه ( يعنى لم يتشتت ولم يتفرق عن هدفه ، بل هو مطابق موافق للمهمة ) .
ومن الثاني : الناقة القصيد : المكتنزة الممتلئة لحماً ( وذلك أيضاً واضح فيه معنى الجمع والقوه ) .
وشيخ الإسلام بعد أن بين أن معنى القول السديد : القصد الحق العدل المستقيم المطابق الموافق ؛ قال : وتعبيرهم عن السداد بالقصد يدل على أن لفظ القصد فيه معنى الجمع والقوه ؛ والقصد : العدل كما أنه السداد والصواب وهو المطابق الموافق الذي لا يزيد ولا ينقص ؛ وهذا هو الجَامِعُ المطابق ومنه قوله تعالى ( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) النحل / 9 ؛ أي السبيل : القصد وهو السبيل العدل ، أي إليه تنتهي السُبُل العادلة ، كما قال تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى) الليل/ 12 ؛ أي الهدى إلينا ؛ هذا أصح الأقوال في الآيتين ؛ وكذلك قوله تعالى (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) الحجر /41 ومنه في الاشتقاق الأوسط : الصدق ؛ فإن حروفه حروف القصد فمنه الصدق في الحديث لمطابقته مخبرهُ ؛ كما قيل في السداد والصَّدْق : بالفتح الصلب من الرماح ، ويقال : المستوى ، فهو معتدل صلب ليس فيه خلل ولا عوج ، والصندوق واحد الصناديق فإنه يجمع ما يوضح فيه ... أ . هـ ، فتاوى ابن تيميه ج17 /230 ،231 .
ومن كلامه أيضاً في الألفاظ المتناسبة قال : ص 227 ، 228 / ج 17 : وقد تقدم انهم يقولون لعفاص القارورة : صماد ؛ قال الجوهري : العفاص : جلدٌ يُلْبَسُهُ رأس القارورة ؛ وأما الذي يُدْخلُ في فمه فهو الصمام ؛ وقد عَفَصْتُ القارورة : شددت عليها العفاص . قلت : في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم اعرف عفاصها ووكاءها ) في اللقطه " بخ 2427 ، 2429 " ومسلم في اللقطه " 2722/1 , 5,7 " كلاهما عن زيد بن خالد الجهني ) وصحيح برقم :  (1050) في صحيح الجَامِعُ . 
والمراد بالعفاص : ما يكون فيه الدراهم كالخرقة التي تربط فيها الدراهم ؛ والوكاء : مثل الخيط الذي يربط به ؛ وهذا من جنس عفاص القارورة ؛ ولفظ العفص والسد والصَّمَدَ والجمع والسؤدد معانيها متشابهة ؛ فيها الجمع والقوة ؛ ويقال : طعام عفص ومنه عفوصة أي : تَقَبُضْ ، ومنه العفص الذي يتخذ منه الحبر . أ . هـ .
(د) الجَامِعُ : قال ابن فارس : الجيم والميم والعين تدل على تَضَآمِّ الشيء وذلك أضعف من المُصْمَتُ الذي يدل على تضّامَ في الشيء وزوال السَّمَّ والخرق ( كما تقدم ) وبالتالي فهو أضعف من الصَّمَدَ في الدلالة وكذلك يقال عن أي لفظ آخر فيه دلالة على الجمع والقوة ويثبت أن الصَّمَدَ هو الأقوى والأشمل دلاله على الحقائق والمعاني المطلوب إثباتها – فسبحان الصَّمَدَ - . ثامناً:
** الدعاء بالصَّمَدَ **
علمنا أن هذا الاسم فيه إثبات جميع صفات الكمال وصفات التنزيه ومن ثمَّ فدعاء الله به يتضمن الدعاء بالأسماء الحسنى كلها ؛ وذلك يستلزم إستجماع قوى القلب العلمية والعملية والتوجه بها بصدق إلى الصَّمَدَ المَقْصُوُد لذاته ؛ والصدق أصل مادته القوة ؛ كما تقدم ؛ وهو هنا بذل الجهد واستفراغ الوسع ؛ حتى يؤخذ الدين بقوة في كل أجزائه وفى جميع الأحوال ؛ بالاستعانة بالله قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) وقال (أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوآ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وقال ( أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) ؛ ويظهر ذلك في دعاء المسألة ودعاء الثناء ودعاء العبادة .
* دعاء المسألة :
(1) توجيه القصد كله بجميع الحوائج إلى الصَّمَدَ بالإقبال عليه دون ما سواه مع الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعاً واليقين بأنها - مهما كَبُرَتْ وتَزَيّنَتْ - مملوكة لله مربوبة مدبرة له فهو سبحانه ربها ومليكها وخالقها ومقدرها ؛ وهو مقيتها الذي قاتها لتوجد ؛ ثم قاتها لتستمر في الوجود ، ولو حبس قوته عنها هلكت وأصبحت عدماً ؛ فليحذر المؤمن أن تستغرقه الأسباب فينسي الصَّمَدَ .
(2) التزام آداب الدعاء كما في قوله تعالى (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف / 55 .
إذ الدعاء بغير تضرع ، دعاء بلا روح ، فهو دعاء ميت وفيه اعتداء . والتضرع : هو التذلل والتمسكن والانكسار ؛ والخفية : هي مسألة مناجاة القريب للقريب ، لا مسألة نداء البعيد للبعيد ، فكلما استحضر القلب : قرب الله منه ، وأنه أقرب إليه من كل قريب ، وتصور ذلك أخفي دعاءه ما أمكنه ولم يتأت له رفع الصوت به ، بل يراه غير مستحسن كما أن من خاطب جليساً له يسمع خَفِيَّ كلامه ، فبالغ في رفع الصوتِ ، استهجن ذلك منه ، ولله المثل الأعلى سبحانه .
قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ 00000 الايه ) البقرة .
وفى الحديث عند البخاري 6/ 157 في الجهاد والسير ؛ لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فَقَالَ :" ارْبعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ " رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجة ، واللفظ لأحمد .
وفى قوله تعالى : ( إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) عقب قوله ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) ؛ دليل على أن من لم يدْعه تضرعاً وخفيه فهم من المعتدين الذين لا يحبهم .
ومن الآداب أيضاً الخوف والطمع كما قال تعالى ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) ؛ أي إنما ينال الرحمة من دعاه خوفاً وطمعاً فالتضرع والخفية والخوف والطمع ينبغي أن تكون حال الداعين عند دعائهم وإلا دخلوا في الاعتداء ، كدعاء المُدلّ المستغْنى بما عنده المدل على ربه . والله لا يحب ذلك ، ومن لم يحبه الله فأي خير يناله ؟! ؛ والله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاهٍ .
(3) اجتناب الاعتداء في الدعاء : ومن ذلك ما تقدم من ترك آداب التضرع والخفية والخوف والطمع ومن أعظمه ، إنما هو سؤال غير الله من دون الله أو مع الله ، ومنه الذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك ، ومنه الذي يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات ، والذي يسأل ما لا يفعله الله ( كطلب التخليد إلى يوم القيامة ) أو الإعفاء من لوازم البشرية ؛ أو أن يجعله من المعصومين ؛ ومنه كل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره ؛ أو يتضمن خلاف ما اخبر به ، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله ؛ ومنه الدعاء بالإثم وقطيعه الرحم .
ولقد علق ابن القيم تعليقاً نفيساً على هاتين الآيتين من سوره الأعراف (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) بدائع الفوائد 3/22 : 35 – " وإنما ذكرت قليلا منه بمعناه " - .
(4) الحرص على أن يكون المطعم من حلال ، وكذلك المشرب ، والملبس وما شابهه واجتناب موانع الإجابة ، والحرص على أن تكون المسألة عن الدين والآخرة أكثر بكثير من المسألة عن الدنيا ومتاعها ؛ وابتغاء الوسيلة ( من صدقه وصلاة وما شابهه ) بين يدي السؤال والطلب ، وأقوي وأجمل وأجمع صيغ الدعاء هي أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم مع بذل الجهد في فهم معانيها وإلاّ كانت علي اللسان دون القلب وقد علمنا خطر ذلك .
وأعلم أيها المسلم : أن الصَّمَدَ عز وجل يحب الإلحاح في الدعاء ، ويغضب على من لا يسأله ، ولا تستطل الكلام في دعاء المسألة هذا فإنه دعاء بالصَّمَدَ ؛ وهو يعم دعاء المسألة بجميع الأسماء الحسنى .
وفي الحديث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ " رواه الترمذي وابن ماجة وأبو داود وأحمد وابن حبان وصححه الحاكم ، وصححه الألباني في
( صحيح سنن الترمذي ) .
* دعاء الثناء :-
كل ثناء على الله تعالى بما هو أهله من صفات الكمال فهو داخل في الثناء عليه باسمه الصَّمَدَ ، وتلاوة سوره الإخلاص بالفهم الذي تبين هو ثناء على الله باسمه الصَّمَدَ وبتوحيده العلمي الإعتقادي .
* دعاء العباده :-
الصدق واخذ الدين بقوه كما تقدم .
التخلق بالأخلاق الحسنه : وهى التخلق بمقتضى صفات الكمال لله التي جاء الأمر بها في الشريعة والنهي عن أضدادها .
( فان الله شكور يحب الشاكرين ،
رحيمٌ يحب الرحماء ،
عفوٌ يحب العافين ،
جميلٌ يحب الجمال ،
طيب يحب الطيبين . ) ............ وهكذا .
- ومن ذلك قضاء حوائج المسلمين بحق وتفريج كربهم -
* توجيه الوجه ( القصد ) وإسلام الوجه لله ، وإقامة الوجه للدين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اسم الله الصمد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم
» القراءات السبع - لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المهتدون :: منتديات المهتدون الإسلامية :: المنتدي الإسلامي العام-
انتقل الى: